فصل: مسألة باع رجل طعاما بثمن نقدا أو إلى أجل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة سلف عشرة دنانير وعروضا في رأس إلى أجل فلما حل الأجل لم يأته بالرأس:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم: عن رجل سلف عشرة دنانير وعروضا في رأس إلى أجل، فلما حل الأجل لم يأته بالرأس؛ فأقاله منه وأخذ منه عشرين دينارا عشرة منها للعشرة التي أعطاه، وعشرة أخرى قيمة عرضه؛ قال: لا خير في هذا، هذا بيع وسلف حين أخذ بالعرض ذهبا؛ ولا ينبغي أن يأخذ في ذلك ذهبا ولا ورقا، قال: ولو أخذ عشرة دنانير وعروضا مثل عرضه أو أدنى من عرضه، لم يكن به بأس؛ ولو أخذ عشرة دنانير وعرضا مخالفا لعرضه، لم يكن فيه خير؛ لأنه يصير مثل الذي كرهنا من الدنانير كلها حين صارت بيعا وسلفا، وكذلك العرض صار ثمنا للعرض المخالف له، وصارت العشرة سلفا.
قلت: أرأيت إذا كان العرض مخالفا لعروضه- وهو أدنى منه أضعافا، أيكون به بأس؟ قال: إذا كان مخالفا للعرض الذي دفع إليه، وكان من غير صنفه، فلا يحل- وإن كان أدنى منه أضعافا؛ لأن يصير بيعا وسلفا.
قال محمد بن رشد: أما إذا أقاله على أن أخذ منه في العروض ذهبا أو ورقا أو عرضا مخالفة لها من غير صنفها، أرفع منها أو أدنى، أو عروضا من صنفها أفضل منها، فلا إشكال في أن ذلك لا يجوز؛ لأنه بيع وسلف، باع منه العروض بما أخذ منه فيها على أن أسلفه العشرة الدنانير التي صرف إليه؛ وأما إذا أخذ منه في العروض عروضا مثل عروضه، أو أدنى منها، إلا أنها من صنفها، فأجاز ذلك ابن القاسم في هذه الرواية.
واعترضها محمد بن المواز، فقال: ما هذه بجيدة، ولم يجزها أصبغ ورأى أن العروض بالعروض بيعا والمال سلفا. ووجه ما ذهب إليه ابن المواز وحكاه عن أصبغ: هو أنه يتهم على أنه إنما أسلفه العشرة دنانير على أن يحرز العروض في ذمته، وهي علة صحيحة، إلا أنها عند ابن القاسم ضعيفة من أجل أن الناس في أغلب أحوالهم لا يقصدون إلى ذلك؛ وهذا معنى قوله في كتاب بيوع الآجال من المدونة في الذي أسلم برذونا في عشرة أثواب إلى أجل، فأخذ منه قبل محل الأجل خمسة أثواب والبرذون، أنه يدخله: خذ في حقك قبل محل الأجل وأزيدك دخولا ضعيفا؛ وحكى ابن المواز عن أصبغ أنه قال: ولو كانت ثيابا كلها، فأخذ بعضها من صنفها، وبالبعض شيئا آخر لم يجز، ورأى ذلك تناقضا من قوله؛ فقال: وإذ جعل ما رد من صنفها سلفا، فلم أنكر على ابن القاسم إذ جعل كل شيء سلفا في المسألة؛ ولا يلزم عند أصبغ ما ألزمه ابن المواز من التناقض؛ لأنه لم يتناقض في قوله، بل جرى على أصله؛ وذلك أنه إنما منع من مسألة ابن القاسم؛ لأنه اتهمه على أنه أسلفه العشرة دنانير على أن يحرز العرض في ذمته، وكذلك إذا كانت عروضا كلها، فأخذ بعضها من صنفها وبالبعض شيئا آخر؛ اتهمه على أنه باع منه بعض العروض بما أخذ منه فيها، على أن يحرز بعضها في ضمانه؛ وابن القاسم يجيز هذا على أصله في تضعيف هذه العلة، فكلاهما لا يخرج عن أصله.

.مسألة اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل:

وسئل ابن القاسم: عن رجل اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل، ثم غاب أحدهما من عذر أو غيره حتى مضى الأجل، فأحب أحدهما إتمام البيع وكرهه الآخر؛ قال: أرى البيع لازما لهما، وليس لأحدهما أن يتأخر عن صاحبه، ولا يتغيب عنه ليفسخ البيع فيما بينهما يكون ذلك ندما منه.
قال محمد بن رشد: قوله اشترى من رجل طعاما بعينه إلى أجل، معناه طعاما بعينه بثمن إلى أجل. وقوله: إن البيع لا يفسخ بينهما بتغييب أحدهما صحيح؛ لأن العقد إذا لم يشترط ذلك فيه فقد سلم من الفساد؛ وقد مضى هذا المعنى في أول رسم من سماع ابن القاسم، وهذا بخلاف الصرف إذا غاب أحد المتصارفين عن صاحبه قبل التناجز، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف.

.مسألة باع كبشا بصوف إلى أجل:

وسئل: عن رجل باع كبشا بصوف إلى أجل، قال: إن كان أجلا قريبا لا يكون للكبش صوف تجز في مثله، فلا بأس به؛ وإن كان أجلا بعيدا يكون للكبش صوف فلا خير فيه. قال مالك: ولا يصلح للرجل أن يبيع نخلا بثمر إلى أجل يكون للنخل ثمرة إلى ذلك الأجل.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.

.مسألة باع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل واستثناه المشتري:

وسئل: عن رجل باع أرضا فيها زرع لم يطب بثمن إلى أجل واستثناه المشتري، فاستقال البائع على أن يمحو عنه الثمن ويترك له الزرع؛ قال ابن القاسم: وليس بذلك بأس.
قال محمد بن رشد: وهذا بيّن على ما قال: إن ذلك جائز، إذ لا تهمة فيه؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن رجعت للبائع أرضه، وبقي الزرع للمبتاع موهوبا بغير ثمن فجاز، وكذلك لو استقال على أن يزيده ويترك له الزرع لجاز أيضا، ولو كان المبتاع هو المستقيل بزيادة لم يجز على حال؛ لأنهما يتهمان على أنهما قصدا إلى بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه بالزيادة التي زادها المبتاع، ولو كان البيع بالنقد لجاز ذلك، إلا أن يكونوا من أهل العينة على أصولهم في أن أهل الصحة لا يتهمون في بيع النقد.

.مسألة باع طعاما غائبا أو غنما غائبة بموضع لا يجوز فيه النقد بثمن إلى أجل سنة:

ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
قال ابن القاسم: فيمن باع طعاما غائبا أو غنما غائبة بموضع لا يجوز فيه النقد بثمن إلى أجل سنة، على أن السنة من يوم يقبض الغنم؛ قال: لا يجوز هذا ولا يصلح، إلا أن يكون الأجل من يوم وقع البيع بمنزلة النكاح؛ يريد: بمنزلة الذي يتزوج بمائة دينار نقدا ومائة إلى سنة، فلا يصلح إلا أن تكون السنة من يوم عقد النكاح، وليس من يوم يدخل بها، وقاله أصبغ كله، ورواه في سماعه من ابن القاسم.
قال أصبغ: وإن كان الأجل من يوم وقع البيع وكانت بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد مضي الأجل، مثل الأندلس وشبهها؛ أو كانت بغير ذلك وكان الأجل دون ذلك مما يمضي قبل قبض السلعة ويحل وينعقد فلا يحل ولا يجوز؛ لأنه يصير كبيع النقد في الغائب.
قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: ولو كان أحدهما بعينه والآخر مضمونا، لم يكن بذلك بأس إذا كانت غيبته قريبة ولم تكن بعيدة جدا، فيكون الكالئ بالكالئ؛ لأن ضمانه على البائع، فهو غير مقبوض، والتسليف لا يصلح إلا بتعجيل القبض؛ فإذا كان المضمون هو المقبوض أولا فلا يصلح، وإن كان الذي بعينه هو المقبوض أولا، فذلك جائز وإن بعد؛ ما لم يبعد جدا، فلا يصلح اشتراؤه؛ لأنه حيوان.
قال محمد بن رشد: لم يجز ابن القاسم في رواية عيسى هذه لمن اشترى سلعة غائبة بثمن إلى أجل أن يكون الأجل من يوم تقبض السلعة، وقاس ذلك على أن النكاح لا يجوز أن يكون أجل الكالئ فيه من يوم الدخول، وقياسه عليه صحيح؛ لأنه إذا لم يجز في النكاح، فأحرى ألا يجوز في البيع؛ لأنه أضيق من النكاح، إذ قد يجوز من الغرر في الصداق ما لا يجوز في ثمن البيع؛ وهو الذي يأتي على مذهبه في المدونة؛ لأن الظاهر من قوله فيها إنه لا يجوز- أن يسلم في طعام على أن يقتضي في بلد أخرى، إلا أن يضرب لذلك أجلا؛ خلاف قول أصبغ، وابن حبيب: أن ذلك جائز؛ لأن تسمية البلد كضرب الأجل؛ فعلى قولهما يجوز أن يشتري الرجل سلعة غائبة بدين إلى أجل على أن يكون الأجل من يوم تقبض السلعة.
وقد روى يحيى عنه في رسم يشتري الدور والمزارع من سماعه من كتاب النكاح- إجازة النكاح على ذلك، وهو على ما حكى عن مالك في المدونة في الذي تزوج امرأة بخمسين نقدا وخمسين تكون على ظهره، ولا يقاس البيع على النكاح في هذا، لما ذكرناه من أنه أضيق منه.
وأما قول أصبغ: إن السلعة إن كانت بموضع لا يمكن قبضها إلا بعد حلول أجل الثمن، فلا يحل ولا يجوز، فإنه خلاف ظاهر ما في كتاب الغرر من المدونة لابن القاسم؛ لأن الظاهر من قوله فيها أن البيع جائز وإن كان حلول الدين قبل قبض السلعة، ما لم يشترط عليه أن ينقده عند حلوله؛ فإن اشترط ذلك عليه لم يجز باتفاق؛ لأنه النقد في الغالب، ولو اشترط عليه أن لا ينقده إلا بعد القبض، لوجب ألا يجوز أيضا على أصولهم؛ لأنه بيع وسلف.
وأما قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه: ولو كان أحدهما بعينه والآخر مضمونا، لم يكن بذلك بأس إذا كانت غيبة قريبة، ولم تكن بعيدة جدا، فيكون الكالئ بالكالئ؛ لأن ضمانه على البائع وهو غير مقبوض، فإنه خلاف لقوله في المدونة في موضعين:
أحدهما: أن شراء الغائب بالدين دين في دين لا يجوز إذا كان في الموضع البعيد الذي يكون فيه الضمان من البائع؛ لأنه قد نص في المدونة على أن الدين بالدين إنما يكون في المضمونين جميعا، فعلى قوله فيها يجوز شراء الغائب البعيد الغيبة بالدين.
والثاني: قوله إن الضمان في الغائب القريب الغيبة من المبتاع؛ لأنه لما قال: إن ذلك لا يجوز في البعيد الغيبة؛ لأن الضمان على البائع، دل ذلك على أنه إنما يجوز في القريب الغيبة حيث يكون الضمان على المشتري؛ فلا يكون ابتياعه بدين دينا في دين، وذلك خلاف قوله في المدونة؛ لأنه قد نص فيها أنه أخذ بقول مالك الذي رجع إليه: أن الضمان في الغائب المشترى على الصفة من البائع وإن قربت غيبته جدا بحيث يجوز اشتراط النقد فيه؛ وقد حكى ابن حبيب: أنه لا اختلاف في أن الضمان من المبتاع فيما يجوز فيه النقد، وليس ذلك بصحيح لما قد نص عليه في المدونة.

.مسألة باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل:

وقال في رجل باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل، ثم إن الذي عليه الحق احتاج إلى أخذ دنانير في طعام، فأراد الذي يسأله الدنانير من ثمن الطعام أن يسلفه ولم يقرب أجل الحق الذي له وبينه وبين ذلك أشهر: إنه لا بأس بذلك، قيل: فأراد أن يرتهن مع ذلك رهنا بالأول والآخر، قال: هذا حرام لا يحل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إنه لا بأس أن يبيع الرجل من الرجل طعاما بثمن إلى أجل ثم يسلف إليه أيضا دنانير في طعام إلى أجل؛ لأنهما مبايعتان صحيحتان لا تقدح إحداهما في الأخرى، وإنما شرط أن تكون المبايعة الثانية قبل أن تحل الأولى أو بقرب حلولها، لئلا يقضيه الدنانير التي أسلفه في الطعام في ثمن الطعام الذي له عليه، فيكون قد رجعت إليه دنانيره وآل أمرهما إلى فسخ الثمن الذي كان له عليه في طعام إلى أجل، وقد مضى هذا المعنى في آخر رسم من سماع أشهب، وإنما لم يجز إذا أسلم إليه الدنانير في طعام قبل محل الأجل أن يرتهن منه رهنا بالأول والآخر؛ لأن ذلك غرر؛ إذ لا منفعة له في الرهن إلا أن يقوم الغرماء على الراهن وهو لا يدري هل يقومون عليه أم لا؛ ولا ما يكون قدر انتفاعه به إن قام عليه الغرماء؛ لأن كلما كثرت الديون عليه، كثر انتفاعه بالرهن، فهو يضع عنه من ثمن ما سلفه فيه، لا من غرر لا يدري قدره؛ فإن وقع ذلك فسخت معاملتهما ورد إليه دنانيره، وكان جميع الرهن رهنا بالأقل منها أو من الطعام الذي ارتهنه به، ولم يكن شيء منه في الدين الأول على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة.
وقد قيل: إن الرهن يبطل ولا يكون رهنا بشيء من الدين الثاني ولا الأول، وقيل: يقسم على الدينين، فيكون لكل واحد منهما ما ينوبه منه، فيبطل ما ناب منه الدين الأول، ويكون رهنا بالدين الثاني ما نابه منه، حكى ذلك ابن المواز عن بعض أصحاب مالك، ويأتي على ما في سماع أصبغ من كتاب الكفالة والحوالة أنه يجوز أن يعطي الرجل الرجل عشرة دنانير، على أن يعطيه حميلا أو رهنا بحق له عليه لم يحل أجله؛ لأنه لا بأس أن يبيع الرجل الرجل بيعا على أن يرهنه به رهنا وبدين له آخر لم يحل أجله، خلاف قوله هاهنا، وخلاف قوله في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون.

.مسألة أسلف ويبة قمح أيأخذ نصف ويبة قمح ونصف ويبة دقيق:

وقال، فيمن أسلف ويبة قمح: فلا بأس به أن يأخذ نصف ويبة قمح، ونصف ويبة دقيق أو شعير أو تمر؛ وإنما مثل ذلك مثل الرجل يكون له على الرجل ديناران فيأخذ منه دينارا عينا، ويأخذ منه بالدينار الآخر ما شاء قمحا ودراهم؛ فإن قال قائل: فالدينار لا يصلح أن يأخذ نصفه عينا ونصفه شيئا آخر، فالويبة بمنزلته فليس كذلك؛ لأن الدينار لا يتبعض، والويبة تتبعض في الكيل بمنزلة الدينارين.
قال: ولا بأس أن يأخذ أيضا من ويبة القمح نصف ويبة قمح، وبالنصف الآخر ما شاء من الكيل من التمر والزبيب، وكل ما كان يجوز أن يباع بالقمح متفاضلا؛ فأما ما لا يجوز أن يؤخذ إلا مثلا بمثل، فلا يأخذ إلا مثل ما بقي له من الكيل سواء؛ ولا يحل له أن يأخذ غير ماله عليه إن كان الذي له عليه ويبة محمولة، فلا خير في أن يأخذ نصف ويبة سمراء، ونصف ويبة شعير، أو شيئا من الأشياء في صفقة واحدة؛ ولو اقتضى منه في بعضها شعيرا أو دقيقا أو سمراء، ثم انصرف عنه؛ ثم جاءه بعد ذلك يتقاضاه بعين حقه فأعطاه به زبيبا أو غير ذلك من الطعام كله أو عرضا، لم يكن بذلك بأس، وإنما يكره من ذلك اجتماعهما.
قال محمد بن رشد: قد بين ابن القاسم وجه قوله فيما أجازه من أن يأخذ الدين من ويبة قمح نصفها قمحا ونصفها دقيقا أو شعيرا أو تمرا، وجعل أشهب في رواية ابن أبي جعفر عنه الويبة الواحدة كالدينار الواحد، فلم يجز ذلك فيها؛ وقول ابن القاسم أصح؛ لأن الويبة الواحدة كالدنانير والدراهم المجموعة، ولا اختلاف عندهم في أنه يجوز أن يأخذ من ويبتي قمح ويبة قمح وويبة دقيق أو شعير أو تمر؛ وإنما لم يجز إذا كان له عليه ويبة محمولة أن يأخذ منه فيها نصف ويبة سمراء ونصف ويبة شعير؛ لأن السمراء أفضل من المحمولة، والشعير أدنى منها، فإذا فعل ذلك، آل الأمر بينهما إلى التفاضل بين السمراء والمحمولة، وبين المحمولة والشعير؛ لأن الذي عليه الويبة المحمولة، لم يكن ليعطيه في نصفها نصف ويبة من سمراء، لولا ما أخذ منه في النصف الآخر نصف ويبة من شعير.
وكذلك الذي له الويبة المحمولة، لم يكن ليأخذ منه في نصفها نصف ويبة من شعير، لولا ما أعطاه في نصف الآخر نصف ويبة من سمراء، فلا اختلاف في هذا، وكذلك لو أخذ منه نصف ويبة سمراء، وفي النصف الآخر صنفا آخر تمرا أو ما أشبهه، لم يجز باتفاق؛ ولو كان له عليه ويبة سمراء، فأراد أن يأخذ منه بها نصف ويبة محمولة، ونصف ويبة شعيرا، أو كان له عليه ويبة شعير، فأراد أن يأخذ منه نصف ويبة سمراء، ونصف ويبة محمولة، لجاز ذلك على أحد قولي ابن القاسم في المدونة؛ وقول أشهب فيها خلاف ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ وفي رسم إن خرجت بعد هذا، دليل على القولين؛ فهي ثلاثة وجوه: وجه جائز باتفاق، ووجه لا يجوز باتفاق، ووجه يختلف في جوازه؛ فالاقتضاء يفترق من المبادلة والمراطلة في وجهين: أحدهما: أن من كان له على رجل ذهب أو طعام، فجائز له أن يأخذ منه بعضه على صفته التي وجبت له عليه، والباقية على صفة هي أرفع أو أدنى مما كان له باتفاق؛ ولا يجوز أن يبدل رجل لرجل قفيزي قمح بقفيزي قمح أحدهما مثله، والثاني أرفع منه أو أدنى، ولا أن يراطل رجل رجلا ذهبا بذهبين إحداهما مثله، والثانية أرفع منه أو أدنى، إلا على اختلاف؛ لأن ابن حبيب يجوزهما جميعا، وسحنون لا يجيز واحدة منهما؛ وابن القاسم يجيز المراطلة، ولا يجيز المبادلة.
والثاني: أن من كان له على رجل دين من ذهب أو طعام، فلا يجوز له أن يأخذ منه ذهبا أو طعاما أدنى مما كان له عليه في وجه، وأفضل في وجه آخر؛ وذلك جائز في المبادلة والمراطلة، وقد مضى في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ من كتاب الصرف القول على حكم المراطلة والمبادلة في هذا المعنى مستوعبا، فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة قال الرجل للرجل بعني بغلك على أن أعطيك فرسي:

ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك:
قال ابن القاسم: إذا قال الرجل للرجل: بعني بغلك على أن أعطيك فرسي، قال: إن كان الثمنان حالين فلا بأس به؛ اتفق الثمنان أو اختلفا؛ وذلك أنه إذا اتفق الثمنان، فإنما هو بغل بفرس وألغيا الثمنين، فإن كان أحدهما أكثر ثمنا من صاحبه، الفرس بعشرين، والبغل بعشرة، فإنما هو بغل بفرس وزيادة عشرة دنانير؛ وكذلك قال مالك، وكان أجلهما واحدا، فهو بمنزلة واحدة في التفسير لا بأس به؛ وإن كان أحدهما نقدا، والآخر إلى أجل، أو كانا جميعا إلى أجل، واختلف الأجلان فلا خير فيه؛ لأنه بيع وسلف؛ لأنه أعطاه عشرة دنانير انتفع بها فردها عليه وأعطاه بغلا بفرس.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بيّنة المعنى، مثل ما في المدونة وغيرها؛ وإنما جازت البيعتان إذا كان الثمنان حالّين، أو كانا إلى أجل واحد؛ لأن الحكم يوجب المقاصة بينهما، فيئول أمرهما إذا تقاصا إلى بيع فرس ببغل دون زيادة، أو فرس ببغل بزيادة؛ وإن تقاصا جاز البيع، وإن لم يتقاصا فسد البيع، إلا أن يشترطا ترك المقاصة، فيكون البيع فاسدا يجب فسخه- وإن تقاصا؛ ولو تبايعا على أن يتقاصا فلم يتقاصا وتناقدا الدنانير، لوجب على أصولهم أن يرد إلى كل واحد منهما دنانيره ولا يفسخ البيع بينهما، لوقوعه على صحة لا تخلو المسألة من أحد هذه الثلاثة الأحوال.

.مسألة يحل له على الرجل طعام فيستسلفه إنسان طعاما فيحيله عليه فيتقاضاه:

وسألته: عن الرجل يحل له على الرجل طعام له عليه من سلم فيستسلفه إنسان طعاما، فيحيله عليه فيتقاضاه؛ هل ينبغي له أن يبيعه من المسلف؟ قال: لا يبيعه منه. قلت: لِِمَ؟ أليس هو بمنزلة الوكيل؟ قال: لا، ليس هو بمنزلة الوكيل؛ لأن الوكيل لو هلك عنده الطعام لم يكن عليه ضمان، وأن المتسلف لو هلك عنده الطعام كان ضامنا، فالطعام لم يقع في ضمان صاحب السلم بعد، فلا خير فيه؛ ولقد قال مالك إذا كان يسيرا فلا بأس به، ولكني لا أرى أن يجوز ذلك في القليل ولا في الكثير.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز لمن سلم في طعام فأسلفه رجلا أن يبيعه من الذي أسلفه إياه بعد أن تقاضاه؛ لأنه لا يدخل في ضمانه بقبض المستسلف إياه؛ فإذا باعه منه أو من غيره، فقد ربح فيه قبل أن يضمنه؛ وهذا هو المعنى في النهي عن بيع الطعام المشترى قبل الاستيفاء، وقد مضى المعنى في أول سماع أشهب؛ والقياس ألا يجوز ذلك في القليل ولا في الكثير؛ كما قال ابن القاسم، وما كان قال مالك من إجازته في اليسير، إنما هو استحسان؛ لأنه عدل عن اتباع مقتضى القياس وطرد العلة في القليل والكثير، إذ قد انتقل الطعام من البيع إلى القرض وبيع القرض من الطعام قبل أن يستوفى جائز، وأما بيعه من الوكيل بعد أن يقبضه فلا إشكال في جوازه؛ لأنه قد حصل في ضمانه بقبض الوكيل إياه؛ وهذا إذا تحقق أن الوكيل قد قبضه، وأما إن أتاه فقال له قد قبضته فبعه مني، فقد قال مالك في رسم أشهب من كتاب البضائع والوكالات لا أحب ذلك ولا يعجبني؛ ولو كان الوكيل هو الذي اشتراه له بدنانير أعطاه إياه، لما جاز له أن يبيعه منه، وإن كان قد قبضه بأكثر من الدنانير التي أعطاه، ولا بدراهم إن كان أعطاه دنانير.

.مسألة باع رجل طعاما بثمن نقدا أو إلى أجل:

ومن كتاب أوله أسلم دينارا في ثوب إلى أجل:
قال: وقال مالك إذا باع رجل طعاما بثمن نقدا أو إلى أجل، فلا بأس أن يأخذ به زيتا قبل أن يفترقا، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ فإن كان تفرقا، فلا خير فيه، كان الثمن نقدا أو إلى أجل؛ قال عيسى: يصير كأنه باعه طعاما بطعام نقدا وكان ذكر الثمن لغوا.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قال؛ لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام، إنما كره من أجل أن أمرهما لما آل إلى أن أعطاه طعاما وأخذ منه طعاما بعد أن غاب عليه، اتهما على أنهما قصدا إلى بيع طعام بطعام إلى أجل؛ فإذا كان ذلك في المجلس قبل أن يتفرقا، لم يكن في ذلك وجه للتهمة.

.مسألة سلف في سلعة مضمونة إلى أجل أو طعام فباع السلعة أو ولاها:

قال: وقال مالك فيمن سلف في سلعة مضمونة إلى أجل أو طعام، فباع السلعة أو ولاها، أو أشرك فيها؛ أو ولى الطعام، أو أشرك فيه؛ فإنما تباعة المبتاع الآخر أو المشرك على البائع الأول، وليس على الذي أشركه أو ولاه أو باعه من تباعتها شيء، وقد قال يحيى بن يحيى في كتاب كراء الدور والأرضين: وسواء عليه ولى ما اشترى من السلع، أو باعه من رجل بربح وانتقد، التباعة في جميع هذا على البائع الأول للمشتري الآخر؛ قال ولو اشترط المشتري الآخر أن البائع الثاني ضامن لحقه حتى يستوفيه من الذي سلف فيه أولا، كان ذلك مكروها لا يجوز.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن من اشترى من رجل سلعة مضمونة له على رجل، أو ولاه رجل طعاما أسلم فيه أو أشركه فيه؛
فالتباعة في ذلك للمبتاع أو المولي أو المشرك على البائع الأول؛ لأنه إنما اشترى ما في الذمة، فوجب ألا يكون له إلا اتباعها كالحوالة؛ والأصل في هذا قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ومن أتبع على مليء فليتبع». ولو اشترط أن تباعته على الذي باعه أو ولاه أو أشركه، لم يجز؛ لأنه غرر باع منه على أن يضمن له ما لا يلزمه ضمانه؛ وهو معنى قوله ولو اشترط المشتري الآخر أن البائع الثاني ضامن لحقه حتى يستوفيه من الذي سلف فيه أولا، كان ذلك مكروها لا يجوز؛ وكذلك لو اشترط عليه أنه ضامن للثمن الذي دفع إليه إن مات أو فلس لم يجز أيضا؛ لأنه قد أخذ للضمان ثمنا ولم يشترط في هذه المسألة أن يكون الذي عليه الطعام أو السلعة حاضرا مقرا؛ وقد اختلف في ذلك، فقيل: إنه لا يجوز إلا أن يكون حاضرا مقرا؛ وقيل: إنه يجوز إذا كان قريب الغيبة حتى يعلم ملؤه من عدمه، وحياته من موته؛ وقد مضى القول في هذا المعنى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم، وفرق ابن حبيب في هذا بين الطعام والبيع، فقال إنه في الطعام إذا لم يكن حاضرا ذريعة لبيعه قبل استيفائه، وليس ذلك ببين.

.مسألة ابتاع سلعة بعينها أو طعاما فأشرك فيه عند مواجبة البيع أو ولاه:

قال عيسى قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة بعينها أو طعاما، فأشرك فيه عند مواجبة البيع أو ولاه، فتباعته على البائع الأول؛ وإن باعه إياه فتباعته على المشترى الأول، إلا أن يشترط أن تباعته على البائع الأول بحضرة البيع الأول، فذلك جائز؛ ومن ابتاع سلعة فبان بها، يعني انقلب بها أو فارق بائعها، ثم أشرك فيها أو ولاها أو باعها، فتباعته على الذي ولاه أو أشركه أو باع منه.
قال محمد بن رشد: فرق في هذه الرواية بين التولية والشركة، وبين البيع في السلعة المعينات؛ فقال فيها: إن العهدة في التولية والشركة إذا كانت بحضرة البيع على البائع الأول، وإنها في البيع على البائع الثاني، إلا أن يشترط أنها على البائع الأول؛ وقد قيل: إن الشركة والتولية كالبيع، تكون العهدة فيهما على المولى والمشرك، إلا أن يشترط أنها على البائع الأول؛ وهو قول مالك في الموطأ، وقول أصبغ في نوازله من جامع البيوع، وظاهر ما في سماع عيسى من كتاب العيوب، وقول ابن حبيب في الواضحة؛ لأنه لم ير العهدة في التولية والشركة على البائع الأول، إلا أن يكون أشركه أو ولاه نسقا بالبيع قبل أن يثبت بينهما، ولا اختلاف في هذا الموضع؛ وتحصيل القول في هذه المسألة، أنه إذا باع بحضرة البيع، فلا خلاف في أن العهدة للمشتري على البائع الثاني الذي باع منه؛ واختلف إن اشترط البائع على المشتري أن عهدته على البائع الأول على قولين، أحدهما: أن ذلك جائز وهو للبائع لازم، وهو ظاهر قول ابن القاسم في هذه الرواية؛ ومعنى ذلك عندي إذا كان قد باعها بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل؛ فأما إن كان باعها بأكثر من الثمن الذي باعها به، فلا يلزم البائع الأول ذلك إلا برضاه؛ لأن من حجته أن يقول: إنما كانت العهدة لك علي بعشرة، فلا أرضى أن تكون علي باثني عشر؛ فإن رضي بذلك، كان حميلا عن البائع الثاني بالزائد- إن جاء استحقاق. والثاني أن ذلك لا يجوز، وهو قول ابن حبيب في الواضحة؛ قال لأنها ذمة بذمة، إلا أن يشترطها عليه برضاه على وجه الحمالة فيجوز؛ فإن اشترطها عليه على وجه الحمالة، فجاء استحقاق، رجع المشترى الثاني بقدر الثمن الأول على من شاء منهما باتفاق؛ لأنه غريم غريمه إن رجع على الذي باعه، كان للذي باعه أن يرجع على البائع الأول؛ وأما الزائد على الثمن الأول، فلا يرجع به على الأول إلا في عدم الذي باعه على حكم الحمالة؛ وأما إذا ولاه أو أشركه بحضرة البيع، فقيل العهدة للمشرك أو المولي على الذي أشركه أو ولاه، إلا أن يشترط أنها على البائع الأول؛ وقيل إنها له على البائع الأول- وإن لم يشترط ذلك عليه؛ وأما إذا طال الأمر أو افترقا، فالمشهور أن العهدة على البائع الثاني للمبتاع وللمشرك وللمولي، ولا يجوز أن يشترط على البائع الأول إلا برضاه على وجه الحمالة، فيكون المبتاع الثاني أو المشرك أو المولى مخيرا في الرجوع على من شاء منهما بما للثاني أن يرجع به على الأول؛ ولا يرجع على الأول بما ليس للثاني أن يرجع به عليه إلا في عدمه على سبيل الحمالة حسبما تقدم ذكره، وقد كان روي عن مالك: أن اشتراط العهدة عليه جائز- وإن كان غائبا إذا كان معروفا.
يريد فلا يرجع عليه إن طرأ استحقاق إلا بما زاد على الثمن الأول، قال: وإن لم يكن معروفا فسخ البيع، ثم رجع فقال الشرط باطل إذا لم يكن بحضرة البيع؛ فيتحصل في اشتراط العهدة في البيع على البائع الأول ثلاثة أقوال، أحدها: أن ذلك جائز وهو للبائع لازم- وإن افترقا وطال الأمر. والثاني أن ذلك لا يجوز إن كان بحضرة البيع إلا برضاه على وجه الحمالة. والثالث الفرق بين أن يشترطها عليه بحضرة البيع، أو بعد الافتراق والطول؛ وفي الشركة والتولية قولان على من يكون بالحضرة، وقولان في جواز اشتراطها على البائع الأول بعد الافتراق والطول؛ وقيل أيضا إذا لم يطل فلا يراعى الافتراق، ويجوز أن يشترط العهدة على البائع الأول، وهو ظاهر قول أصبغ في نوازله من جامع البيوع؛ وسيأتي في أول كتاب الكفالة القول في اشتراط العهدة على رجل أجنبي.

.مسألة سلف مائة دينار في مائة ثوب مضمونة موصوفة إلى أجل:

وسئل عن رجل سلف مائة دينار في مائة ثوب مضمونة موصوفة إلى أجل، فقبض المائة دينار، فلما حل الأجل دفع إليه خمسين كساء، فقبضها وقال إذا دفع إلي الخمسين الثوب الفسطاطي، وقال إنما أسلفتني في مائة كساء وأنا أدفع إليك تمامها؛ قال بل أسلفتك في خمسين كساء وخمسين ثوبا فسطاطيا، قال ابن القاسم إن كان لم يقبض شيئا رأسا، تحالفا وتفاسخا البيع بينهما، وإن كان قد قبض الأكسية الموصوفة، تحالفا ويقسم الثمن بينهما، فيرد بقدر ذلك يريد أن يقسم الثمن الذي اشترى به على قيمة الأكسية الموصوفة التي ادعاها، وقيمة الفسطاطي الموصوف الذي ادعى؛ فيقع على كل صنف ما وقع، فيرد في الفسطاطي بقدر ما وقع عليه من الثمن الذي اشترى به؛ لأنه حين قبض الأكسية صار مدعيا فيما بقي.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان لم يقبض شيئا رأسا، تحالفا وتفاسخا، صحيح لا اختلاف فيه؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أيما بيعين تداعيا فالقول ما قال البائع أو يترادان». وأما تفسير ابن القاسم لقول مالك إن الأكسية إن قبضت يتحالفان ويقسم الثمن عليهما بقوله. يريد أن يقسم الثمن الذي اشترى به على قيمة الأكسية الموصوفة التي ادعاها، وقيمة الفسطاطي الموصوف إلى آخر قوله؛ فليس بصحيح على ما تداعيا فيه؛ لأن المسلم مدع في الفسطاطي؛ والمسلم إليه ينكره إياها ولا يقر له إلا بخمسين كساء؛ فالقول قوله مع يمينه فيما ناب الأكسية المقبوضة من المائة التي انتقد على ما يقر به، لا على ما يدعي المسلم؛ فيقال للمسلم إليه احلف أنك إنما انتقدت المائة في مائة كساء، فإن حلف على ذلك، قيل للمسلم: إن أردت أن تأخذ الخمسين كساء الباقية، وإلا فاحلف أنك ما دفعت إليه المائة الدينار، إلا في خمسين كساء وخمسين ثوبا فسطاطيا،- فإن حلف على ذلك، فسخ السلم في الخمسين الباقية، وقبضت المائة دينار على ما يقر به المسلم إليه من أنه إنما قبضها على مائة كساء، فرد إليه منها خمسين دينارا، وإنما كان يصح تفسير ابن القاسم لو كان المسلم إليه هو الذي ادعى أنه أسلم إليه مائة دينار في خمسين كساء وخمسين ثوبا فسطاطيا، وقال المسلم: بل إنما أسلمت إليك المائة في مائة كساء، قال هكذا جرى وهم ابن القاسم، وعليه أتى تفسيره، وهذا بين.